مركز الدراسات الدولية

المؤتمر العلمي (13) الاستثنائي

(( التحديات للأمن الوطني للعراق بعد إنسحاب القوات الامريكية ))

السيد …..

السيد رئيس جامعة بغداد المحترم ….

السادة مساعدي السيد رئيس الجامعة المحترمين …

السادة الضيوف المحترمين الاكارم….

يأتي إنعقاد مؤتمرنا العلمي هذا في ظل ظروف معقدة شديدة في تفاعلاتها ، متلاحقة في ايقاعاتها سريعة في تأثيراتها ، والكثير منها ، إن لم يكن كلها ، يلقي بتبعاته وإنعكاساته على أمننا الوطني بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخرى . هذا الأمن الذي أصبح أثراً بعد عين منذ وقت ليس بالقصير بسبب السياسات اللاعقلانية واللارشيدة واللامسؤلة لنظام إختطف سلطة الشعب والدولة وجيرها لحسابه . ثم جـــاء الاحتلال للقضاء على ذلك الأثر عبر سياسة وإستراتيجية وإجراءات تخدم مصالحه . ليخلف لنا بعــد رحيله جملة من التحديات والمخاطر الجدية لأمننا الوطني على كل المستويات وفي المجالات كــافة ، سياسياً، واقتصادياً ، واجتماعياً ، وثقافياً ، وصحياً ، وبيئياً .



ومن ثم ، فإن أية متابعة لتطور الاوضاع في العراق لابد وأن تثير إشكالية التحديات لأمنه الوطني بعـد إنسحاب القوات الامريكية بإعتبارها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إنتهاكه عبر تدخلها العسكري ، وأيضاً مسؤوليتها عن ضمانه بعد تدخلها ، وهو ما لم تفعله طيلة سنوات إحتلالها للبلاد .

ومن ناحية ثانية ، لابد من الاعتراف بأن هناك ، على ما يبدو ثمة قصور في إدراك وجود جملة مــن التحديات والمخاطر الجدية التي تهدد أمننا الوطني رغم إنسحاب القوات الامريكية ، ذلك أن :

-أي تأخر أو تأخير في تحقيق وإنجاز الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وفي بلورة وإعمال الآليــات الديمقراطية لحياة سياسية صحيحة وصحية ، والتمسك بخيار واحد أو خيارات محدودة ، من شأنه إفراغ الاصلاحات من مضامينها الحقيقية والديمقراطية من محتواها . ولن يكون خياراً صحيحا إذا لم يجري التفكيربكل الخيارات الاخرى الممكنة لتحقيق مثل هذه الاصلاحات ، ولايعفي من العمل على تحقيقها بطريقة تنسجم مع مقتضيات وضرورات تحقيق الأمن . لابل إن الادراك الذي يجب أن يسود هو أن هذا الأمن لن يتحقق بشكله السليم إلا بإنجاز مثل هذه الاصلاحات .

– وصحيح أن مجتمعنا ليس مهيأ تماماً للديمقراطية شكلا ومضموناً، ولكن ذلك لاينبغي أن يكون ذريعة لعدم تطوير التجربة الديمقراطية وتعيين الحدود  بين الحقوق والواجبات . حقوق الشعب كافة صاحب السلطة وواجباته ، وحقوق الدولة وواجبها  تجاه مواطنيها . ولابد من ايلاء الأمن الانساني كل الاهتمام لأنه في النهاية غاية الأمن الوطني ، أو هكذا يفترض أو يجب أن يكون .


إن توفير الحماية والطمأنينة والاستقرار والرفاهية ، بالحدود التي تتيحها إمكانيات الدولة وقدراتها ، للفرد والجماعة في حاضرهم ومستقبلهم ، بغض النظر عن إنحدارهم الاجتماعي وإنتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والفوارق بينهم ، من خلال إشباع الحاجات الاساسية والضرورية لهم ، والحرص على تمتعهـــم بالحقوق المدنية والسياسية ، من شأنها تعزيز الانتماء للوطن وخلق هوية وطنية جامعة تكرس الوحــدة الوطنية ، الأمر الذي يتيح للدولة إستثمار طاقاتها وتطوير قدراتها ورص جبهتها الداخلية ، ومن ثم القدرة على تحقيق أمنها الشامل . ومن هنا جاء ((إعتبار مسألة إحترام حقوق الانسان سمة لشرعية أي نظــام سياسي)) . وهو مايفسر سعي المجتمع الدولي الى الإرتقاء بمفهوم ((الأمن الإنساني )) فـي تقاريـــر المنظمات الدولية الى المرتبة القانونية الدولية ، وفي النظرة الشاملة للأمن لما له من علاقة وثيقة بإستقرار أي مجتمع والذي يعد بدوره شرطا رئيساً لتطوره وتقدمه .

ولابد من الاعتراف ، بأن أمننا الوطني تعتريه الكثير من التصدعات . بعضها بفعل السياسات اللامسؤولة للنظام السابق . وأخرى بسبب الاحتلال وتداعياته وإسقاطاته وسياسته وإستراتيجية وإجراءاته . وثالثة بسبب طبيعة التعاطي الراهن مع موضوعة الأمن الشامل . والطريقة الوحيدة لرأب هذه التصدعات ، هي في جعل هذا الأمن شاملاًبحق ليتسع الفرد والشعب والمجتمع والدولة والوطن وسلامتهم . لأمن من يحكم ومن يحكم على حد سواء ، لا أن يضيق ليبتلع الدولة والمجتمع والمواطن ، لأي سبب كان . ولابد أن  لايساء تقدير الاخطار والتحديات الحقيقية التي تحيط بنا.والاهتمام بللاصلاحات بدافع ولغرض التأسيس حياة سياسية قابلة للاستمرار تؤمنها وتحميها مؤسسات شرعية راسخة البنية واضحة الأداء محددة ومعلومة الاهداف ، ذات مصداقية يثق بها الجميع ويحترمها ويلتزم بسياساتها ويحرص على ديمومتها وإستمرارها .


وعلى هذا تعد عملية صياغة السياسة الأمنية على أسس وطنية بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية ، شرطا رئيساً وضروريا لتحقيق الاصلاح في مختلف المجالات . تماما كما إن الأخير يعد مقدمة جوهرية لوضع السياسة الأمنية والأجهزة المسؤولة عنها في مواجهة مهامها وتحمل مسؤولياتها وأعبائها لحماية الاصلاحات وجعلها ممكنة وملموسة .


  ومع ان أولوية الأمن لايمكن تناسيها في ظل الاوضاع الراهنة ، والضغوط والتحديـات السياسيــة والاقتصادية والاجتماعية والخدمية من البيئة الداخلية ، والتدخلات المباشرة وغير المباشرة من البيئـة الخارجية ، لكن من المهم ايضاً أن لانسمح بما يمكن أن يعيق تحولنا من المرحلة الانتقالية الى مرحلة الدولة راسخة المؤسسات ، أو يؤخره أكثر من هذا الوقت .

وإذا كان التغيير قد فجر سيلاً من التحديات الداخلية والخارجية بمختلف أنواعها ، فقد آن الاوان لتحديد الاوليات لمواجهتها . وبتقديرنا أن الأمر لن يستقيم إلا إذا أعدنا تعريف مصالحنا وأهدافنا الوطنية ، وإمتلكنا الارادة الحقيقية للاصلاح وفقا لمقتضيات المصلحة العامة وعلى أسس وطنية عراقية بحتة .

أ.د.نبيل محمد سليم    

مدير مركز الدراسات الدولية



Comments are disabled.