عن دار أمجد للنشر والتوزيع في عمان، المملكة الأردنية الهاشمية صدر كتاب جديد للأستاذ المساعد الدكتور عبد الحميد العيد الموساوي، بعنوان:قراءة في علاقات إيران الإقليمية والدولية.وقد تناول الكتاب الذي جاء في تسعة فصول احدى الموضوعات المهمة التي تشغل العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن الإيراني.

  ينظر الإيرانيون عموما إلى بلادهم بأنها دولة محور في جنوب غرب آسيا، وقوة إقليمية لا يمكن الاستغناء عنها في ذلك الجزء من العالم، حيث تقع إيران في الجزء الجنوب الغربي لقارة آسيا، وتمتد بين دائرتي عرض (25,50ْ – 41,50 ْ ) شمالا، وخطي طول ( 44-63) شرقا، وتبدو إيران بذلك الامتداد على شكل مثلث تقريبا يمتد من الشمال إلى الجنوب، حيث تمثل قمة جبال(ارارات) رأسا لذلك المثلث، وتقع تلك القمة في أقصى شمال إيران قرب الحدود الإيرانية– التركية، اذ تشغل إيران مكانة بارزة في المعادلتين: الإقليمية والدولية، نظرا لأهمية موقعها الاستراتيجي بوصفها نقطة صراع بين القوى العظمى. وقد شغلت حيزا كبيرا في الأفكار والنظريات الجيوبولوتيكية الإستراتيجية الدولية، حيث تقع إيران بمنطقة الهلال الخارجي في نظرية قلب الأرض التي وضعها (هالفورد ماكندر). أما (سبايكمان) صاحب نظرية (الأطراف) فقد أعطى أهمية لمنطقة الساحل التي تتماشى مع الهلال الخارجي الذي حدده (ماكندر)، وذلك يبيّن أهمية سواحل الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب،  ومن ثم أهمية منطقة الظهير الإيرانية، مما جعلها منطقة صراع بين الدول العظمى عبر التاريخ والذي انعكس ذلك على السياسة الخارجية وعلاقاتها مع الدول المجاورة،  وتشغل إيران كذلك موقعا استراتيجيا متميزا عن طريق إطلالها المباشر على الخليج العربي، وامتلاكها لأطول ساحل على ذلك الخليج مقارنة بأي من الدول العربية الخليجية، وإشرافها المباشر على الممر الاستراتيجي أو شريان الطاقة (مضيق هرمز) الذي تمر عبره الصادرات النفطية للدول العربية باتجاه أوربا واسيا وأمريكا الشمالية ، مما يعطيها أهمية جيواقتصادية إقليمية ودولية. 

 وتتاح لقارئ هذا الكتاب، وهو يتصفح فصوله، فرص كثيرة لملاحقة موجبات القدرة الإيرانية في إدارتها للتحوّلات التي تعترض انطلاقها خارجيَا، فضلاَ عن تقويم الخيارات الإيرانية في الاقتراب المباشر وغير المباشر من ( أعدائها). ولعل اللقطة الأولى والاهم في تلك الملاحقة، تلمس مظاهر القدرة الإستراتيجية الإيرانية التي باتت تمثل تالفا للمكن التي بحوزتها، تستخدمها كحوافز مقصودة الصناعة لاكتساب القوة وتراكمها. وما قصة البرنامج النووي الإيراني، إلا نموذجا عملياتيا لذلك، وتلك فطنة ستسهم بلا شك في إعادة النظر في الكثير من المسلمات والثوابت التي عدها المتخصصون والمهتمون بشان الإستراتيجية جزءا من الثقافة الإستراتيجية ” الدولاتية” ان صح التعبير. وقد جاء هذا الجهد، وان توخى الحذر والحياد، وهي سجيّة الباحثين العلميين، مصداقَا على ما اختطته القيادات الإيرانية بعد العام 1991م، من حساب حاذق لما تأتي به مروحة الاحتمالات ( على حدّ قول لابلاس) في تصريف الأحداث الدولية والإقليمية، ماسكةَ بقبضتها وبقوة لا تلين، وبحسب إستراتيجية المرونة البطولية، التي أطلقها المرشد الإيراني الأعلى السيد  ” الخامنئي ” بزمام الإدارة الإستراتيجية في توجهها نحو هدفها الأهم حيث القيادة الإقليمية، ليس لإثبات الوجود فحسب بل والمشاركة في إعادة هندسة الأوضاع الإقليمية سواء في الشرق الأوسط و واسيا الوسطى وحتى في أفريقيا وجنوب شرق آسيا أيضاَ. إنها فعلاَ إستراتيجية امة تبحث عن المكانة وصداها إقليميَا ودوليَا لا دولة فحسب.


Comments are disabled.