وحدة اعلام مركز لدراسات الاستراتيجية والدولية

نظم قسم سياسات الازمات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد حلقة ورشة عمل تحت عنوان ” ادراك صانع القرار العراقي لطبيعة الازمة بين ايران والولايات المتحدة

 

 لعبت عوامل عديدة في جعل العراق ساحة لتصفية الصراعات بين ايران والولايات المتحدة و لا يمكن القول بان الدور الذي لعبه العراق في هذا المجال قد ابتدأ بالعام 2003 بل يمتد للمرحلة التي لعب فيها النظام السابق دور الوكيل للمصالح الامريكية لضرب الثورة الايرانية في العام 1979 وخوضه لحرب دامت ثمان سنوات كان المستفيد الاول منها المصالح  الامريكية في الخليج والمنطقة وذلك بحسب اعتراف اركان النظام السابق ذاته واذرعه العسكرية، واما بعد العام 2003 فقد شكل امتداد وحضور المعارضة العراقية السابقة في ايران وتشكيلها الجزء الاكبر من الحكومات التي تشكلت في العراق منذ العام 2004 مجالا لان تلعب ايران دورا محوريا ورئيسيا في صياغة القرار السياسي العراقي، وبدا ان هنالك ما يشبه عملية التوازن بين وجود عسكري امريكي فاعل ومؤثر وادوات سياسية يرادفها نفوذ سياسي ايراني يحسم مع الفاعل الامريكي كثير من الملفات الشائكة داخل البنية السياسية الحاكمة الجديدة في العراق، ولقد استمر مثل هذا الوضع حتى تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في البيت الابيض وقراره  الخاص بإنهاء اللعبة المزدوجة التي مارسها الأمريكيون والإيرانيون على أرض العراق بعد نيسان/ أبريل 2003، وصولا إلى أيار/ مايو 2018، وقرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع من جانب واحد، وبدء سياسة الضغط والعقوبات ضد إيران. فرض على العراق أن يكون حاضرا في سياق هذا الصراع، بوصفه طرفا منفعلا وليس فاعلا، ثم فرض على صانع القرار السياسي في العراق، وهو هنا الفاعل السياسي الشيعي حصرا، الذي تأقلم مع هذه اللعبة المزدوجة، أن يتخذ موقفا صريحا من هذا الصراع، إذا ما أراد أن يبقي على الدعم الامريكي الضروري للعراق أمنيا وسياسيا واقتصاديا! في المقابل قامت إيران باستخدام كل أدواتها في العراق لمنع محاولة إخراج العراق من العباءة الإيرانية وإعادة موضعته في سياق المواجهة القائمة. خاصة وان نتائج المواجهة مع داعش، ونتائج انتخابات العام 2018، قد فرضت واقعا جديدا جعل إيران تفترض أن امتدادها في العراق أصبح أمرا واقعا لا يمكن تجاوزه!

وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد اضطرت، بسبب طبيعة الوضع الهش في العراق، أن تقبل باستثناء العراق من عقوباتها تجاه إيران، تحديدا في ملفي الغاز والكهرباء (يعد العراق ثاني أكبر مستورد للغاز الإيراني، وهو يعتمد على هذا الغاز في توليد 47٪ من الكهرباء)، فضلا عن تغاضيها عن التبادل التجاري الواسع بين البلدين، والذي يصل إلى ما يزيد من 7 مليار دولار سنويا (من دون حساب الأرقام غير المعلنة المتعلقة بالسلاح والعتاد!)، طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية، إلا أن من الواضح أن ثمة قرارا أمريكيا بأن يكون هذا الملف جزءا من أوراق الضغط فيما يتعلق بموقف العراق في الصراع مع إيران، وعلاقة ذلك بتشكيل الحكومة العراقية المرتقبة، وكان هذا واضحا من خلال قرار تمديد هذا الاستثناء لثلاثين يوما فقط، بعد ان كان يتم تمديده ذاتيا لمدة تنازلت من (120) و(90)و(45)يوما فيما مضى. وقد تزامن هذا القرار مع قرار إعادة انتشار القوات الامريكية في العراق، فضلا عن سحب الدبلوماسيين الأمريكيين منه .

ولقد بدا ان المواجهة الاولى  بين الطرفين كانت في العراق، وفشلت الحكومة العراقية في الإيفاء بالتزاماتها المعلنة بأن يكون العراق على مسافة واحدة بين الطرفين في هذا الصراع، وقد أطاحت الرسائل المسلحة بين الطرفين الأمريكي (رسائل الدرونز ثم القصف المباشر واغتيال سليماني المهندس)، ومن ثم قصف القاعدة الامريكية  عين الأسد)، بأي إمكانية للدولة العراقية في تحديد طبيعة ومدى هذا الصراع! وكان هذا واضحا من خلال تجاهل الولايات المتحدة للدعوات الصريحة التي أعلنتها الحكومة العراقية بشأن الوجود الأمريكي في العراق، وصولا إلى نشر صواريخ باتريوت في قاعدتي عين الأسد (الأنبار) وحرير (أربيل) دون موافقة الحكومة العراقية أصلا! ومن خلال استمرار الجهات المسلحة التي تحتفظ بطابع الولاء للمرجعية الدينية في ايران ، في عمليات القصف ضد القواعد التي يتواجد فيها الامريكيون قبل قرار إعادة الانتشار!

 

يبدو أن التهديدات الأمريكية، والفعاليات العسكرية الأمريكية على الأرض، بدأت ترسم ملامح معادلة جديدة غير مسبوقة، أعطت الجرأة لبعض الفاعلين السياسيين للمناورة، للمرة الأولى أيضا، وإن لم يصل الأمر إلى قطيعة كاملة مع الفاعل الإيراني! لمعرفة الجميع بأن السياسة في العراق لا تحددها قواعد اللعبة السياسية فقط، بل يحددها السلاح الموازي المرتبط عضويا بالفاعل الإيراني.

 

إن دخول الصراع الأمريكي الإيراني مرحلة المواجهة، تحديدا بعد قرار اغتيال سليماني وابو مهدي المهندس، قد أفضى إلى جملة من المتغيرات التي لا يمكن إغفالها في هذا السياق، فالإيرانيون بفقدانهم لقاسم سليماني قد فقدوا مفتاحا رئيسيا في تعاطيهم مع الشأن العراقي، بسبب طبيعة العلاقات الشخصية التي نسجها الرجل طوال عمله في هذا الملف، حتى قبل لحظة 2003، من خلال تلك العلاقات التي ربطت المعارضة الشيعية والكردية بالحرس الثوري الإيراني، لذلك يصعب على أي بديل له أن يملأ الفراغ الذي تركه بسهولة، وهنا لا بد من الانتباه إلى ان الدور الإيراني في العراق يتعلق بالدرجة الأساس بموقف استراتيجي للدولة الإيرانية يديره المرشد الأعلى والحرس الثوري وليس بشخص سليماني فقط. كما فقد الإيرانيون بفقدانهم لأبي مهدي المهندس، عنصرا جوهريا من عناصر تواجدهم الميداني في العراق، بسبب ما كان يتمتع به الرجل من إمكانيات لا يمكن تعويضها، ليس في ضبط حركة الميليشيات الولائية، واحتواء الميليشيات غير الولائية.  انعكس هذا بشكل واضح في موضوع اختيار المكلف بتشكيل الحكومة العراقية، فقد عجز الإيرانيون للمرة الأولى بعد عام 2003 في صناعة أغلبية سياسية شيعية قادرة على تمرير المكلف بتشكيل الحكومة (محمد توفيق علاوي)، أو في صناعة أغلبية سياسية شيعية قادرة على فرض رأيها فيما يتعلق بتكليف المكلف اللاحق  عدنان الزرفي). وبدا للمرة الأولى ان الفاعلين السياسيين الأكثر قربا من إيران قد فقدوا قدرتهم على تحديد مسار السياسة الشيعية في العراق، ومن ثم مسار العملية السياسية في العراق ككل!

في المقابل، يبدو ان التهديدات الأمريكية، والفعاليات العسكرية الأمريكية على الأرض، بدأت ترسم ملامح معادلة جديدة غير مسبوقة، أعطت الجرأة لبعض الفاعلين السياسيين للمناورة، للمرة الأولى أيضا، وإن لم يصل الأمر إلى قطيعة كاملة مع الفاعل الإيراني! لمعرفة الجميع بأن السياسة في العراق لا تحددها قواعد اللعبة السياسية فقط، بل يحددها السلاح الموازي المرتبط عضويا بالفاعل الإيراني الذي يتم التلويح به بشكل علني!

ما زال من المبكر الحكم على مخرجات الصراع الأمريكي الإيراني في سياقه العراقي، ومن السذاجة التفكير بان هذا الصراع قد يحسم قريبا، خاصة وان كلا الطرفين حريص تماما على عدم وصول المواجهة إلى حرب صريحة، والاكتفاء برسائل مسلحة بين حين وآخر، تشتد وتهدأ بإيقاع مسيطر عليه! وهو ما يعني في النهاية أن بعض عناصر اللعبة المزدوجة، ستبقى حاضرة، اضطرارا، وإن بقواعد جديدة، بما لا يتيح لأي من الطرفين الانفراد بإدارة اللعبة التي اسمها العراق كما يريد.

ادوات صانع القرار العراقي لمواجهة اليات الصراع الايراني –الامريكي

بات من الصعوبة على متخذ القرار العراقي تحديد الأهداف المتوخاة بدقة عالية من النتائج التي سوف يفضي اليها الصراع الامريكي الايراني فبالنسبة للولايات المتحدة، على سبيل المثال، يدرك صانع القرار العراقي  تماماً أهمية التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي تقوده الولايات المتحدة والتي تشكل الجزء الأكبر من مصادر تمويله وعملياته العسكرية، لاسيما ما يتعلق بالطلعات الجوية، وفي الوقت ذاته فهي مضطرة ان تستمع لمطالب بعض القوى السياسية المحلية وتأخذ بالحسبان ضغوطات الجماعات المسلحة فيما يخص إخراج القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات من العراق. لذلك، فإن الحكومة قد تعمل على جدولة الانسحاب الكلي وفق متطلبات الحرب على الإرهاب وضروريات التسليح والتدريب.

 

من جانب آخر، تحيط بالعراق أزمة مالية واقتصادية خانقة، لمواجهتها، يحتاج الى الدعم الخارجي سواءً عبر المؤسسات الدولية أو بصورة ثنائية، ومجدداً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل ركناً اساسياً في النظام الاقتصادي والمالي العالمي ودعمها يمثل حلقة رئيسة وضرورية للحصول على الدعم الدولي المطلوب على شكل قروض ومنح.

 

أما في ظل انتشار وباء فيروس كورونا والتحديات التي يمثلها للعراق، فإن العراق بحاجة الى الدعم الدولي الفني واللوجستي لمواجهة هذه الأزمة، وللمساعدة في هذا المجال، خصصت الولايات المتحدة ما يقارب من 30 مليون دولار لمساعدة العراق في مواجهة الجائحة وتنفيذ خطة طوارئ في قطاع الصحة العامة، وإعداد المختبرات الكبيرة اللازمة، وأكثر من ذلك. وهناك حاجة الى استثمار الولايات المتحدة طويل الأجل في العراق، والذي يصل إلى أكثر من 70 مليار دولار من إجمالي المساعدة الأمريكية في السنوات العشرين الماضية بما في ذلك ما يقرب من أربعة مليارات لقطاع الصحة.

 

وربما من أهم أهداف العراق هي تجنب لغة العقوبات التي قد تطال استيراد المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية من إيران، لذلك يسعى الجانب العراقي الى الحصول على تمديد مهلة الاستثناء من العقوبات المفروضة على إيران على الأقل حتى نهاية العام الحالي، تحت وعود ان العراق سيسعى الى ايجاد بدائل والتي قد تتضمن استثمارات اجنبية في مجال الطاقة أو ربطه بشبكات اقليمية للطاقة. كما يسعى صانع القرار العراقي الى تخفيف الضغوطات الأمريكية المسلطة على العراق بخصوص الإصلاح الأمني ومواجهة الجماعات المسلحة، حيث تسعى الحكومة الى توجيه رسائل تطمينية بخصوص قدرتها على حماية المصالح الأمريكية والغربية بصورة عامة –البعثات والسفارات والأشخاص- من خطر الاستهداف بالصواريخ أو من أي شكل من أشكال التهديد. لذلك فإن المفاوض العراقي يسعى الى تجنب اي ادراج لشخصيات أو كيانات عراقية ضمن قائمة العقوبات الأمريكية أو قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

 

ومن أهم الملفات التي ينبغي على صانع القرار في بغداد  ان يسلط الضوء عليها هي بعثة الأمم المتحدة الخاصة لمساعدة العراق (UNAMI) لكون الولايات المتحدة حامل القلم لهذا الملف في مجلس الأمن، لذلك فإن الطرفين بحاجة الى مراجعة ولاية البعثة والعمل على رسم جدول زمني لإنهاء البعثة خلال مدة يحددها الجانب العراقي. اخيرا، يمكن أن نشير الى هدف مهم وهو أن يكون العراق طرفاً محايداً في لعبة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وأن ينأى بنفسه عن ساحة المواجهة وتداعياتها، وأن يحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف المعنية.

Comments are disabled.