السيـاسـة الصحيـة في الـعـراق بعـد عـام 2003 عنوان ورشة العمل التي نظمها قسم السياسات العامة
شيماء فاضل : وحدة اعلام المركز
نظم قسم السياسات العامة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد ورشة عمل شارك فيها رئيس القسم والاستاذة سلط الضوء فيها على مناقشة السيـاسـة الصحيـة في الـعـراق بعـد عـام 2003 .
حيث تضمنت الورقة البحثية التي قدمتها م .م مها قيس الباحثة في قسم السياسات العامة بمركزنا مناقشة السياسة الصحية واحدة من فروع السياسة العامة التي تهتم بالجانب الصحي، وتسعى لتحسين الحالة الصحية للمواطنين عبر رصد مبالغ الإنفاق العام على الصحة آخذة بنظر الاعتبار الحاجات المتزايدة للسكان للرعاية الصحية والتطور في بناء المستشفيات .
ومادامت السياسة العامة تعرف بأنها: مشروع عام تتعهد الحكومة بتحقيقه سنوياً وتخصص له موازنة عامة، وتوضع السياسة العامة وفقاً للبرنامج الحكومي، ووفقاً لما يردها من الوزارات والمؤسسات الحكومية المنتشرة أفقياً، ووفقاً للاحتياجات التي ترصدها المؤسسات الاستشارية، ووفقاً لتقديرات الحكومة، فأن السياسة الصحية تستمد موازنة الإنفاق من حصة السياسة العامة الكلية .
إن هدف النظام العام ينطوي على فرض نظام الصحة العامة على الجميع، وهو يسعى للحفاظ على أمن وصحة المواطنين والسعي لتعظيم رفاهيتهم .أي أن الدولة عليها مسؤولية كبيرة في القطاع الصحي .
وإذا ما أتينا للعراق، فنلاحظ أن العراق أنتقل من نظام مختلط: مؤسسات حكومية صحية (مستشفيات، ومراكز صحية)، ومستشفيات خاصة، الى نظام يتجه لأن يكون متكون من قطاع خاص صحي، بموجب تعهدات مؤتمري باريس عام 2004، وبروكسل عام 2005 للدول الدائنة والمانحة، وهو يملك عدد من المؤسسات الصحية (239 مستشفى ، و2538 مركز صحي أولي ) التي يتوقع أن تتعرض للخصخصة خلال السنين القادمة .
وتتبع الاهتمام الحكومي بالسياسة العامة الصحية يلاحظ أن الحكومة تنفق على القطاع الصحي 206% من الموازنة، أو 215 دولار لكل فرد، يذهب منها نحو 150 دولار كأجور ورواتب، والمتبقي يقع بين الإدامة والإنشاءات، في حين أن شراء الأدوية وتجهيزها يأخذ نحو 15% من الموازنة الفرعية. وهو مؤشر منخفض جداً قياساً باحتياجات العراق من الخدمات الصحية المختلفة .
لقد طرحت وزارة الصحة واللجنة البرلمانية المعنية بالصحة ما عرف بـــ :
استراتيجية السياسة الصحية الوطنية للمدة من (2014- 2023)، في عام 2014 لمعالجة الواقع الصحي، وانتهت تلك الاستراتيجية الى طرح معالجة 18 سياسة صحية فرعية وهي: (التنظيم، الرعاية الصحية، التمويل، الموارد البشرية، البنى التحتية، التقنيات الطبية، الدواء، الطوارئ والأزمات، نقل الدم، التأهيل الطبي، الصحة النفسية والادمان، المشاركة المجتمعية، التعاون مع الشركاء الأجانب، البحوث، تعزيز الصحة، الجودة، دعم القطاع الخاص) .
وبينت الاستراتيجية بالوصف والتحليل واقع تلك السياسات، والهدف المتعلق بها حتى عام 2023 .
إن تتبع الواقع الصحي يفيد بوجود تحديات عديدة على هذا المستوى تتلخص بالآتي:
1- إن نصيب الفرد من الناتج المحلي بلغ نحو 207 ألف دولار عام 2014، ألا أن خط الفقر بلغ نحو 31%، وهو ما يجعل نحو 31% من سكان العراق بلا غطاء صحي، فالفقير لا يستطيع الإنفاق على الصحة وأحياناً كثيرة لا يمكنه الوصول الى المؤسسات الصحية الحكومية كما بين تقرير وزارة التخطيط لسنة 2013 .
2- إن العجز الصحي يظهر بالآتي: الوصول الى المؤسسات الصحية الحكومية واستخدامها، ارتفاع مؤشر الوفيات بين الأمهات والأطفال، درجة الحرمان من الرعاية الصحية، سوء التغذية، ارتفاع التلوث .
3- ويمكن تتبع بعض المؤشرات بصيغة عناوين لواقع قطاع الصحة في العراق والمتعلقة بضعف الحقوق الصحية للمواطن العراقي، والتي تشير الى فقر القطاع الصحي في العراق، إذ يلاحظ :
ارتفاع مؤشر نسبة العجز في تقديم الخدمات الصحية، إذ لا تكفي المراكز الصحية أو المستشفيات لسد حاجة الناس، ناهيك عن فقدان الخدمات فيها.
يؤشر واقع المؤسسات الصحية الحكومية فيما يتعلق بتوزيع وانتشار المؤسسات الصحية، إذ تتركز المؤسسات الرئيسة في مركز المدن (المستشفيات) في حين تنتشر المراكز الصحية في أغلب مدن العراق، والانتشار لا يحقق انسيابية في قدرة الوصول الى تلك المؤسسات .
وفيما يتعلق بعدد المؤسسات الصحية للسكان، وتحديداً عدد الأطباء الى عدد السكان، يبلغ عدد الأطباء للسكان نحو 0,8 لكل ألف، وأطباء الأسنان نحو 0.2 لكل ألف، والصيادلة نحو 0.2 لكل ألف، والأسرة في المستشفيات الحكومية نحو 103 سرير لكل ألف، وهي قدرة منخفضة لا تحقق اكتفاء وتلبية لاحتياجات المواطنين الصحية .
وفيما يتعلق بالأمن الانساني، يعاني العراق من نمط حياة غير صحية مع ارتفاع التلوث والقصور في توفير الخدمات الصحية، وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، يعاني 12% من العراقيين من سوء غذاء مفرط، ويستهلك نحو 47% من العراقيين مياه غير صالحة للشرب، أما ما يتعلق بالأمن البيئي فأن البيئة ملوثة بمعدل 40% أكثر مما تسمح به المعايير العالمية، سواء جراء انتشار الأوبئة أو بفعل مخلفات الحروب، أو ما يأتي من دولٍ أخرى لأسباب مختلفة .
وما طرح من سياسات عامة صحية منذ عام 2005( تشكيل حكومة وطنية ) لغاية اليوم لم يستطع معالجة احتياجات العراق الصحية، بل أنه ضاعف من القصور، وفاقم من حجم التحدي غير المنظور الذي يجابه العراق في السنين القادمة .
وقد أشار تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء يوم 2 آذار 2020، الى ان نظام الرعاية الصحية في العراق يعاني من أزمة نقص في الدواء وفي أعداد العاملين القائمين على الرعاية الطبية، وأن الأطباء العراقيين يهربون الى الخارج بالآلاف، ومتوسط الأعمار في العراق أقل بكثير مما في باقي أنحاء المنطقة .
واعتمدت رويترز في تقريرها على الحوار مع عشرات الأطباء والمرضى والمسؤولين والمستثمرين من القطاع الخاص وحللت بيانات من الحكومة ومنظمة الصحة العالمية.
وجاء في التقرير: ” خلال الثلاثين عاماً الماضية تعرضت البلاد للخراب بفعل الحروب والعقوبات الدولية والصراع الطائفي وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وضاعت على العراق فرص توسيع نظام الرعاية الصحية وإعادة بنائه حتى في أوقات الاستقرار النسبي ” .
ففي عام 2019 الذي شهد هدوءاً نسبياً، خصصت الحكومة 2,5 في المائة فقط من موازنة الدولة البالغة 106,5مليار دولار لوزارة الصحة، وهذا مبلغ ضئيل مقارنةَ بما يتم إنفاقه في دولٍ أخرى بالشرق الأوسط .
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة الاتحادية في العراق أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغاً أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دولٍ أفقر كثيراً، إذ بلغ تصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولاراً في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن، و649 دولاراً في لبنان .
وخلال أزمة فايروس كورونا، لم تكن كثير من المستشفيات مؤهلة للتعامل مع المرض، وبينت التقارير الاعلامية نفاد قناني الاوكسجين التي يحتاجها المرضى، كما بينت ضعف الرعاية الصحية، والسبب يتعلق بضعف الجانب الاداري أوقات الأزمات .
وفي الخـتــام، نطرح التوصيات الآتية للأرتقاء بالواقع الصحي وهي :
ضرورة رفع نسبة الإنفاق على الصحة من الموازنة العامة الى نحو 10%، على مدى الــ10 أعوام القادمة .
السماح بأن يتوسع القطاع الخاص في القطاع الصحي، دون التعرض للمؤسسات الصحية الحكومية .
رفع نسب المؤسسات الصحية والأطباء وغيرهم من ذوي المهن الطبية الى عدد السكان بنيةٍ تقارب مثيلاتها عالمياً .
السماح بأجراء تقييمات عالمية للواقع الصحي في العراق لغرض استفادة المؤسسات الصحية من تقييم ذلك الواقع .