السياسة الإسرائيلية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2011-2023
وحدة اعلام المركز
نشر مركز الجزيرة للدراسات كتابا للدكتور رامي قصي عبود الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد كتابا تحت عنوان “السياسة الإسرائيلية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2011-2023“ والذي يعد من الدراسات المهمة والرصينة .
وتضمنت الدراسة التي قدمها الدكتور رامي قصي عبود دراسة مفصيلة حول استناد السياسية (الإسرائيلية) تجاه منطقة الشرق الأوسط، لاسيما تجاه منطقة الخليج العربي، على مبدأ الحفاظ على الدعم الدولي وشرعنة وجودها اللذيْن تحتاجهما، بهدف التوسع الجغرافي والسياسي بالمنطقة، وهو ما يفسر سعيها المستمر في محاولة تطبيع العلاقات مع دول المنطقة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إذ سعت (إسرائيل) لإقامة العلاقات وعقد اتفاقيات السلام مع العديد من دول المنطقة بعد توقيعها لاتفاقيات السلام مع مصر عام 1979 واتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 واتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994، لذلك تسعى (إسرائيل) إلى إقامة علاقات رسمية مع العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما بعد مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ونجاحها فيكسر المقاطعة العربية لها من خلال إلغاء دول المجلس لقرار المقاطعة معها، وإقامة علاقات تجارية مباشرة مع بعض دولها، فضلاً عن اللقاءات المستمرة التي جمعت بين العديد من الشخصيات الرسمية (الإسرائيلية) وبعض الشخصيات من الدول الخليجية ضمن المؤتمرات والأنشطة الدولية.
وعلى الرغم من أنّ (إسرائيل) رحبت بمبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002،والتي نصّت على الاعتراف بـ (إسرائيل) مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إذ عدّت هذه المبادرة نقلة نوعية لمنظور الصراع العربي–(الإسرائيلي)؛ لانّها عكست الرغبة السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي بإقامة علاقات مع (إسرائيل) في حال تنفيذها للمبادرة، فإنها جوبهت بالرفض (الإسرائيلي)لبنودها، وهو ما يعكس طبيعة أطماعها التوسعية.
لقد أسهمت أحداث “الربيع العربي” عام 2011 في تحولات السياسة (الإسرائيلية) تجاه الدول العربية، إذ انتهجت (إسرائيل) سياسة خارجية تبين فيها بأنها ليست تهديداً أو مزعزعاً لاستقرار المنطقة، واستثمرت هذه السياسة مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال توقيعها للعديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والسياحية والعسكرية والأمنية مستغلةً التوترات بين هذه الدول وإيران وتضخيم خطرها كخطر مشترك على أمن واستقرار المنطقة التي ترغب (إسرائيل) بأن تكون قوة فاعلة ومؤثرة فيها؛ تعتمد عليها الدول الأخرى لمواجهة التهديدات التي تواجهها.
وعليه نجحت (إسرائيل) في تطبيع علاقاتها مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن سعيها إلى تطوير علاقاتها مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تعزيز تعاونها العسكري مع هذه الدول التي تضمن تعزيز مصالحها وهيمنتها الإقليمية لا سيما في المسائل المتعلقة بالأمن والدفاع.
أهمية الدراسة:
تنبع الأهمية من أنّ موضوع الدراسة لم يحظ بالاهتمام الكافِ من قبل الباحثين ومراكز الدراسات للمدة الزمنية التي تبدأ منذ عام 2011 الذي مثّل متغيراً جديداً في السياسة (الإسرائيلية) تجاه دول مجلس التعاون الخليجي في تطبيع علاقاتها مع بعض دولها التي أثمرت عام 2020 توقيع اتفاقية أبراهام وذلك للاستفادة من ثروات المنطقة الطبيعية وإيجاد أسواق جديدة لها وتحقيق أهداف مشروعها الاستراتيجي في الهيمنة على الشرق الأوسط وما له من تداعيات على أمن الدول العربية.
إشكالية الدراسة:
إن الإشكالية التي ستحاول الدراسة تحليل أبعادها تنصب في تحديد مضمون السياسة (الإسرائيلية) تجاه دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2011 التي شهدت العديد من المتغيرات التي أسهمت في اختراق (إسرائيل) لمنطقة الخليج العربي.
وانطلاقاً من هذه الإشكالية، سيحاول البحث الإجابة عن تساؤلات عدة منها:
- هل أسهمت أحداث التغيير العربية في نجاح السياسة (الإسرائيلية) بالتقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي؟
- هل تمكنت (إسرائيل) من تعزيز تعاونها مع دول مجلس التعاون الخليجي في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؟
- لماذا لم تنجح (إسرائيل) في تطبيع علاقاتها الرسمية سوى مع الإمارات والبحرين دون بقية الدول الأخرى؟
- هل يمكن للمتغيرات الداخلية والخارجية أن تؤدي دورًا فاعلًا ومؤثرًا في السياسة (الإسرائيلية) تجاه دول مجلس التعاون الخليجي؟
- ما هو مستقبل السياسة (الإسرائيلية) تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، وهل ستتمكن من تطبيع علاقاتها مع دول أخرى؟
فرضية الدراسة:
تنطلق الدراسة من فرضية، مفادها: أن السياسة الإسرائيلية تمكنت من خلال توظيف أدواتها في تضخيم خطر التهديدات الإقليمية الناتجة عن أحداث “الربيع العربي” عام 2011، على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي مما أسهم في تعزيز التعاون الإسرائيلي مع دول مجلس التعاون الخليجي بالمجالات كافة، وطرح نفسها كقوة إقليمية حليفة وداعمة لهذه الدول في مواجهة هذه التهديدات لا سيما الإمارات والبحرين التي طبعت علاقاتها معها عام 2020.
منهجية الدراسة:
تم الاستعانة بعدد من المناهج العلمية لا سيما المنهج التأريخي لمعرفة تأريخ السياسة (الإسرائيلية) تجاه دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1991، والمنهج التحليلي الذي يبحث في التطورات والمتغيرات الإقليمية التي أدت إلى تقارب (إسرائيل) مع بعض دول المجلس وتطبيع العلاقات الرسمية مع البعض الآخر، والمنهج الاستشرافي لاستقراء مستقبل السياسة (الإسرائيلية) تجاه هذه الدول وإمكانية ضم دول أخرى للتطبيع معها.
الإطار الزماني والمكاني:
تأخذ الدراسة في مجالها الزماني المدة التي تمتد منذ عام 2011 ولغاية عام 2023، وسيأخذ الأطار المكاني للدراسة كلٌ من إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي الست وهي الامارات والبحرين وعُمان وقطر والكويت والسعودية.
الخـاتمـة
نجحت (إسرائيل) في استغلال التطورات والمتغيرات الإقليمية في المنطقة وتوظيفها لصالحها من أجل تعزيز تعاونها وتقاربها مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ لذا لم يكن تطبيع علاقاتها مع بعض دول المجلس مفاجئاً، بل سبقت اتفاقيات التطبيع بوادر ومؤشرات واضحة منذ أحداث التغيير العربي عام 2011، نتيجة فشل مشاريع التعاون والعمل العربي المشترك كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في تحقيق أهدافها، وعجز دولها عن تأسيس كتلة واحدة ذات علاقات ودية غير متصارعة بين أطرافها ومتكافئة مع القوى الإقليمية في المنطقة لا سيما(إسرائيل) التي تمكنت من التغلغل إلى منطقة الخليج العربي وإقامة علاقات سرية ثم علنية مع بعض دولها.
وعلى الرغم من الرفض الشعبي الخليجي لخطوات التطبيع، إلاّ أنّ (إسرائيل) عملت على إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بحاجتها إلى تأسيس تحالفات إقليمية جديدة معها للاستفادة من “تفوقها” العسكري والأمني والتقني لحفظ توازنات القوى في المنطقة، وكسب تأييد الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
لذا وقَّعت (إسرائيل) مع كلٍّ من الإمارات والبحرين اتفاقيات التطبيع في 15 سبتمبر/أيلول 2020 برعاية الرئيس الأميركي السابق (دونالد ترامب)، الذي عدّت هذه الاتفاقيات إنجازاً للسياسة (الإسرائيلية) في اختراق دول مجلس التعاون الخليجي ولو بدرجات متفاوتة. إذ تسعى(إسرائيل) إلى تحقيق أهداف مشروعها الاستراتيجي المتمثل بالشرق الأوسط الكبير، وكسب ودّ الدول العربية وشعوبها وعدم النظر إليها ككيان عدواني استيطاني من خلال إيجاد عدو جديد يهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي والمتمثل بإيران، وتحوُّل (إسرائيل) إلى حليف وصديق يمكن اللجوء إليه للدفاع عن هذه الدول بوجه التهديدات الخارجية، لما تمتلكه من قدرات وإمكانيات تؤهلها لتكون قوة فاعلة ومؤثرة ورئيسة في المنطقة.
وعليه فإنّ (إسرائيل) تمكنت من خلال هذه الأسباب والمتغيرات في دفع بعض دول مجلس التعاون الخليجي لتطبيع العلاقات معها دون تقديم أيّ تنازلات من قبلها، على الرغم من كون هذه الدول ليست من دول الطوق، ولم تدخل في حرب مباشرة معها لتعلن السلام، ولديها علاقات متميزة مع الدول الغربية، وتحظى بأوضاع سياسية واقتصادية مستقرة مقارنة ببقية الدول العربية، مما يفسر عدم اضطرارها لتوقيع هذه الاتفاقيات، إلاّأنّ (إسرائيل) عززت التبادل التجاري والثقافي والتعاون العسكري والأمني بموجب اتفاقياتها مع الإمارات التي سمحت لها بالتواجد العسكري في منطقة الخليج العربي، مما يعزز حالة عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، بعكس ما روجت إليه هذه الاتفاقيات عبر تضخيم التهديدات الإيرانية والتركية وحركات الإسلام السياسي، وإيجاد (إسرائيل) الذريعة الأمنية لمواجهة هذه التهديدات بما يحقق الهدف الرئيس من وجودها في منطقة الخليج العربي، مما يؤدي إلى دخول المنطقة في حالة من الصراع والحرب الباردة بين القوى الإقليمية فيها، في ظل تراجع القوى العربية التقليدية لا سيما العراق ومصر وسوريا.
ترغب (إسرائيل) في تطبيع علاقاتها مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع نفوذها الإقليمي بما يخدم أهدافها بالمنطقة، وكذلك إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها من خلال تطبيع العلاقات مع الدول الخليجية دون تسويتها وفق مبادرة السلام العربية، فضلاً عن سعيها للحصول على استثمارات جديدة وإيجاد أسواق استهلاكية لمنتجاتها في المنطقة عبر الترويج لمعادلة التكنولوجيا والخبرة والإدارة (الإسرائيلية)والمال الخليجي، إلاّ أنّ هذه المعادلة في جوهرها هي صورة للهيمنة على دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على إنتاج المواد الخام وتصديره لا سيما مصادر الطاقة، مقابل تصدير (إسرائيل) للتكنولوجيا والمعرفة والصناعات المتقدمة إلى هذه الدول والتي ستعود عليها جراء هذا التطبيع بفوائد اقتصادية كبيرة، مع ضمان تفوقها العسكري والتقني على دول المنطقة وعدم حصولها على الأسلحة والتقنيات المتقدمة أو الموازية لها سواء كانت من الدول الحليفة أم الأعداء، إذ تستغل (إسرائيل) مسألة التفوق العسكري كورقة ضغط لإقناع بقية دول مجلس التعاون الخليجي بالتطبيع معها مقابل حصول هذه الدول على الخدمات التقنية والأسلحة المتقدمة التي يمكن استعمالها بالضد من قبل (إسرائيل) مع الدول غير المطبعة معها.
الاستنتاجات
من خلال ما تم عرضه، تم التوصل إلى عدد من النتائج، أبرزها:
- كان هناك مرحلتان سابقتان للتطبيع العربي مع (إسرائيل)، الأولى كانت في عهد الرئيس المصري الأسبق (أنور السادات) عام 1979،والثانية بعد توقيع اتفاقيتي أوسلو ووداي عربة مع السلطة الفلسطينية والأردن، فيما تعدّ اتفاقيات أبراهام بين (إسرائيل) والإمارات والبحرين هي المرحلة الثالثة لموجة التطبيع مع (إسرائيل) منذ تأسيسها عام 1948.
- إنّ هذا التطبيع لم يكن وليد اللحظة بل كانت له دلالات منذ اعوام طويلة، متمثلاً في العلاقات السرية واللقاءات الرسمية، فضلًا عن المشاركات (الإسرائيلية) العلنية في بعض الأنشطة والمؤتمرات الدولية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
- تمكنت (إسرائيل) من توظيف أحداث التغيير العربي لصالحها من أجل تعزيز مصالحها وتقاربها مع دول مجلس التعاون الخليجي وتطبيع العلاقات مع بعض دولها دون تنفيذ المبادرة العربية أو إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، وإنّما جاء التطبيع تحت شعار (السلام مقابل الأمن والازدهار).
- أسهمت أحداث التغيير العربي منذ العام 2011 في ترك فراغ أمني في المنطقة في ظل عجز الدول العربية الأخرى عن ملء هذا الفراغ، ممادفع بـ (إسرائيل) إلى استغلال هذه المتغيرات لتحقيق أهداف مشروعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط الجديد عبر محاولة اندماجها سياسيًّا واقتصادياً واجتماعيًّا، وإنّها كطرف حليف للدول العربية يمكن الاعتماد عليها في مواجهة التهديدات الإقليمية.
- تطبيع (إسرائيل) لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي، نتيجة السماح لـ (إسرائيل)بالتواجد العسكري على حدود الدول الرافضة للتطبيع معها.
- سعت إدارة الرئيس الأميركي السابق (دونالد ترامب) إلى احتواء إيران؛ فقد كانت تعمل على تعزيز الروابط والعلاقات بين حلفائها في المنطقة لا سيما (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي، وتقديم الوعود للدول المطبعة بالحصول على الأسلحة والتقنيات المتقدمة التي تمكنّها من مواجهة التهديدات الخارجية.
- على الرغم من تطبيع (إسرائيل) لعلاقاتها مع الإمارات والبحرين، إلاّ أنّها لم تتمكن من التوقيع مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي اتسمت بعلاقات متباينة معها في ظل سعيها الدؤوب لاستمالة السعودية ودفعها نحو التطبيع لمكانتها الاقتصادية والسياسية والدينية في العالم العربي والإسلامي، والاحتفاظ بخطوط اتصال وتبادل زيارات رسمية مع عُمان وقطر التي يمكن اللجوء إليهما كوسيط في حل الأزمات الإقليمية.
- إنّ الأسباب التي تسوقها الإمارات لتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل) هي وقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والذي يعدّ المبرر الأبرز الذي روجته في البيانات الرسمية ووسائل الإعلام أمام الدول العربية والإسلامية التي رفضت شعوبها هذا التطبيع، فيما جاءت مبررات البحرين متمثلة في الخوف من عودة أحداث التغيير العربي مرة أخرى إليها، فضلًا عن مواجهة التهديدات الإيرانية التي تمثل خطرًا إقليميًّا كبيرًا على أمنها واستقرارها، وعلى القاعدة العسكرية الأميركية في أراضيها.
- كان لمآلات التطبيع (الإسرائيلي) الخليجي إنعكاسات كبيرة على المنطقة العربية، لما مثله من كسر الإجماع العربي حول المبادرة العربية للسلام التي اشترطت عدم التطبيع مع (إسرائيل) دون تسويتها للقضية الفلسطينية، في ظل عجز الدول العربية عن مواجهة هذه التحديات وانقسامها بين مؤيد ورافض لهذه الاتفاقيات، وعدم قدرتها على توحيد مشروعها الوجودي في مواجهة السياسات(الإسرائيلية).
- أثبتت الممارسات (الإسرائيلية) بحق المدنيين في القدس وقطاع غزة، عدم اكتراثها باتفاقيات أبراهام، لتؤكد مخاوف الشعب الفلسطيني من تداعيات تطبيعها مع الإمارات والبحرين سلبًا على قضيته، وإنّها لن تكون رادعاً لـ (إسرائيل)، وإنّ ضمانات الاتفاقيات المزعومة هي حبر على ورق.