وحدة اعلام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

حيث ركز الدكتور ستار الجابري الباحث والاكاديمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد في ورقته البحثة التي قدمها على هامش الحلقة النقاشية على الكثير من المواضيع المهمة التي تخص تجربة  الطاقة النووية في المنطقة العربية .

ادناه نص الورقة البحثية

    كانت الطاقة النووية في أيامها الاولى تجد قبولاً واسعاً,وبحماسة غالباً,الا انها لم تكن رائجة,وتطورت في كل من اشكالها العسكرية والمدنية,وقد تم توزيع نشرة العلماء الذريين لأول مرة في كانون الاول(ديسمبر)1945,وبدا إن الطاقة التي انطلقت من الذرة قد غيرت كل شيء,وبدت الطاقة النووية في التسعينيات القرن العشرين والعقد الاول من القرن الحادي والعشرين اكثر ايجابية وعودتها الى دائرة التفضيل بين الحكومات والمواطنين,الا ان التحدي بالنسبة الى الصناعة النووية,في الاستفادة من دروس الاخفاق لتعزيز اول موجة كبرى من الاستثمار النووي,وفي اتخاذ خطوات لمنع تكرار كوارثها.

    وحققت القنابل الذرية التي اسقطت فوق اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية أثر بالغ في كشف ان الطاقة النووية واقع وليست مجرد حلم بعيد.وبرز هناك خطراً من الخوف النووي وسط السكان يمكن ان يسفر عن رفض التقنية والاسلحة النووية.وتحدث العلماء في كثير من الدول,عن عزمهم على تحويل القوة المهولة للسلاح الذري الى قوة ايجابية باستخدامها كطريقة بديلة لصنع الكهرباء وتوفير الطاقة.واطلق الرئيس الامريكي ايزنهاور في عام 1953 برنامج الذرة من اجل السلام,وكان خطوة للسيطرة على انتشار الاسلحة النووية.وقدمت مساعدة كبيرة لكل دولة تسمح بالتفتيش الدولي للمنشآت لضمان عدم تحويل المواد الى الاستخدام العسكري,ومحاولة تخفيض مستوى المعارضة الشعبية الكامنة لبرنامج الاسلحة النووية الامريكي المستمر في مواجهة التهديد النووي السوفيتي.

  وشكلت الاسلحة النووية علامة فارقة للنصف الثاني من القرن العشرين,واطلق عليه تعبير العصر النووي على المرحلة التي تلت ظهورها,وصولاً الى عام 1990 على الاقل,وذلك بفعل المخاطر الرهيبة التي ارتبطت بسيناريوهات الحرب النووية.ولعبت الاثار التدميرية التي مثلتها الاسلحة النووية, اكثر من احتمالات استخدامها,دوراً مهماً في اهتمام الدول المختلفة بها,ولاسيما مع تضخم حجم الترسانات النووية الى درجة وصل معها عدد الرؤوس الحربية النووية في نهاية الحرب الباردة عام 1991 الى حوالي 50 الف رأس نووي موزعة حول العالم,في اراضي الدول النووية,وبعض الدول الحليفة غير المالكة لتلك الاسلحة,وكذلك في أعالي البحار.

  أشرت بداية القرن الحادي والعشرين تحولات مهمة في منطقة الشرق الاوسط وانتشاراً تدريجياً للبرامج النووية السلمية,سواء في شكل امتلاك محطات نووية لانتاج الكهرباء,أو امتلاك دورة وقود نووي كاملة كما في ايران.فقد اصبحت ايران اول دولة في المنطقة بعد اسرائيل تمتلك تكنولوجيا إثراء اليورانيوم,فضلا عن أكبر مفاعل من حيث القدرة بحوالي 1000 ميجاواط,واول مفاعل نووي لتوليد الكهرباء بالمنطقة,هو مفاعل بوشهر.وتطرح هذه التطورات عدة قضايا,منها ما يتعلق بالاتفاقيات النووية التي وقعتها بعض الدول العربية مع اطراف دولية,وما يتصل فيها بمسألة نقل التكنولوجيا النووية واساليبها وافضلها,ومنها ما يرتبط بفرص واحتمالات التعاون النووي العربي في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لتجنب تكرار نفس الانشطة النووية في اكثر من بلد عربي,ومدى توافر الاطار المؤسسي والقانوني لذلك التعاون,وكيفية تقويته وزيادة فعاليته.

    أسفر انقسام العالم الى قوى نووية واخرى غير نووية الى تحرك الدول النامية في اتجاهين اولهما السعي الى الحصول على ضمانات أمنية اقليمية عبر إقامة مناطق خالية من الاسلحة النووية,بعد فشل الاتفاقيات الدولية في تحقيق متطلبات الامن للدول غير النووية,ويبرز الخطر بوجود 150 الف رأس نووي موزعة حول العالم مما يشعر الدول النامية بالقلق على امنها,وقرارها السيادي ووقوعها عرضة للابتزاز واستغلال القوى النووية.وثانيهما محاولة الحصول على التكنولوجيا النووية للطاقة السلمية,فقد طالبت دول عدم الانحياز في عام 1994 في مؤتمر القاهرة بالحصول على تكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة الذرية,ورفض تمديد معاهدة منع الانتشار في مؤتمر منع الانتشار النووي عام 1995,لكن الدول النووية تجاهلت ذلك ومددت المعاهدة. فالمواقف العربية تنبع من الرغبة في معالجة الاختلالات القائمة في هيكلية المعاهدة,ومعالجة عدم التوازن القائم في منطقة الشرق الاوسط بصفة خاصة,والحيلولة دون حدوث المزيد من الانتشار الرأسي والافقي للاسلحة النووية في العالم وتقنين عمليات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية في اطار نظام الضمانات والتفتيش المطبق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فالشعور بالقلق من العلاقة العدائية التي تربط الدول المتجاورة ضمن المنطقة الاقليمية الواحدة,والرغبة في تعزيز القدرة الوطنية ومكانة البلد على المستوى الاقليمي والدولي,والفكرة الاساسية التي تقف وراء السعي لبناء برنامج نووي مرتبطة بالامكانيات الهائلة للطاقة الذرية,وخاصة استخدامها لأهداف صناعية وتقنية.

    كانت جميع محاولات الدول العربية في المجال النووي محاولات متواضعة جوبهت سياسياً من قبل الولايات المتحدة كما في حالة مصر وليبيا, أو بالتدخل العسكري الخارجي سواء من قبل اسرائيل ومن ثم الولايات المتحدة الامريكية والتحالف الدولي في حالة العراق,ولم تتطرق,سواء بشكل مباشر أو غير مباشر,الى اسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية,وذلك جزء من استراتيجية تكريس الخلل في التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط لصالح اسرائيل. فالارهاصات العربية في المجال النووي على رغم ضعفها وعدم جديتها, الا انها لم تتوافق على المستويين الجماعي والفردي.ولذلك لا تمتلك اياً من الدول العربية اي مستوى من نظم التسلح النووية,على الرغم من كل ما تمتلكه من قدرة بشرية,والقدرة التكنولوجية على تصنيعها,وتباينت جهود البلدان العربية في هذا الاتجاه ما بين السعي للحصول على السلاح النووي,أو الحصول على مفاعلات نووية ذات قدرات متباينة,وكميات من اليورانيوم الطبيعي أو النشط,واجراء تعاون مع دول نووية مختلفة,وقد وصل البعض منها الى مراحل متقدمة في نشاطه النووي العسكري مثل العراق,ويبرز وضع المنطقة الحاجة الى دراسة موقف القدرات العربية والاسلامية الرئيسة في هذا المجال,وذلك بغية التقييم الدقيق للتوازنات ومن ثم التحديات والتهديدات المستقبلية للبلدان العربية من المنظور النووي.

   وهناك ﺳﺖ دول في المنطقة ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺑﺮاﻣﺞ ﻃﺎﻗﺔ ﻧﻮوﻳﺔ ﻋﺎﻣﻠﺔ أو ﻣﺨﻄﻂ ﻟﻬﺎ حالياً. .وﻟﻜﻦ ﺣﺠﻢ وﻧﻀﺞ البراﻣﺞ اﻟﻨﻮوﻳﺔ المطروﺣﺔ,في المنطقة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ الى دواﻓﻌﻬﺎ وﺗﺤﺪﻳﺎﺗﻬﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ دوﻟﺔ  الى أﺧﺮى, ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ احتياﺟﺎت وﻗﻮد اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻣﻨﺨﻔﺾ اﻟﺘﺨﺼﻴﺐ،فان القدرة المتوﻗﻊ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ في ﻣﻨﻄﻘﺔ الشرق اﻷوﺳﻂ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ عام 2040 تتراوح ما بين 11- 42 جيجا واط, وتبدو المنطقة بحاجة الى ﻣﺼﺎدر أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻮﻗﻮد اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم وﻟﻠﺘﺨﺼﻴﺐ .وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺗﻢ اﻻﺳﺘﻨﺎد الى اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ المنخفض، ﻓﺈن المنطقة ﺳﺘﺤﺘﺎج الى حوالي 242 طن ﻣﻦ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻣﻨﺨﻔﺾ التخصيب كل عام,وبالتالي الى قدرات كبيرة لتخصيب اليورانيوم ايضاً,أما من ناحية مزودي الطاقة النووية,فإن روسيا تقود السباق بمفاعلاتها التي تعتمد تكنولوجيا الماء الخفيف من خلال ترحيبها بالمساعدة في تمويل برامج الطاقة النووية في المنطقة,ومن المنظور الاقتصادي فإن استخدام الطاقة النووية في المنطقة سيصبح خياراً غير مجد إذا بقيت تكاليف الطاقة الشمسية في انخفاض مستمر خلال العقود القادمة.

    وتثير قضية الخيار النووي العربي مسألة القدرة على استحضار اغلب عناصر ومكونات الوضع العربي الراهن, ولا مفر من الاعتراف بأن هذا الموضوع صار متخماً بقدر مدهش من الالتباسات والخلط العشوائي أو المقصود بين الحقائق وأوهام المحبطين, وبين الأحلام والامكانات الحقيقية لتحقيقها. ويتصل بذلك ان هذا الموضوع, على خطورته وجديته, لم يكن بمنأى طوال الوقت عن الخفة التي تلامس كثيراً حدود الاسفاف خصوصاً حينما تتخذه بعض النظم العربية موضوعاً للمزايدة والدعاية الفجة ما صنع حول الموضوع وعياً زائفاً ومشوشاً ترك ليستشري ويسكن عقول الملايين من البسطاء بل وقطاع واسع من النخب السياسية.

   ان مسار الانتشار النووي في الشرق الاوسط قد توقف تقريباً عند حدود اسرائيل,أو على الاقل تم تعليقه الى حين وصول الملف النووي الايراني الى نهاية محددة له,كما ان مسار البرامج النووية المدنية قد توقفايضاً عند حدود امتلاك البرامج البحثية المحدودة التي تستند الى مفاعلات صغيرة واغراض طبية وصناعية وزراعية معتادة بعيداً عن توليد الكهرباء وتحلية المياه,ويعود ذلك الى مشكلات اتخاذ القرارات الداخلية الخاصة بها,والضغوط الدولية المتواصلة على دول المنطقة بشأنها.الا ان هذه الرؤية لا تنفي حقيقة ان المسيرة النووية في المنطقة لن تتوقف عند هذا الحد,فهناك مؤشرات تشير الى انطلاقة واسعة باتجاه امتلاك برامج نووية مدنية للعديد من دول المنطقة وقد تحدث تحولا حقيقياً في طبيعة تفاعلات الاقليم,سواء في تحديد القوى المحورية فيه,أو هيكل اقتصادياتها,أو تطورها التكنولوجي,وربما علاقاتها البينية,والاهم فيها كيفية التعامل مع القضايا النووية المعلقة في المنطقة,وبما يضمن استقراراً اقليمياً من نوع ما.

   لقد كانت ظروف الحرب الباردة وطبيعة الصراع والتحالفات الدولية والاقليمية والقدرات الذاتية العربية,والنظام الرسمي العربي يساعد على حصول العرب على السلاح النووي في ذلك الوقت افضل مما هو عليه الان.لكن الوضع اليوم يجعل الولايات المتحدة قادرة على تقويض اي مسعى عربي لامتلاك القدرات النووية,وما يعزز ذلك حالة الضعف في النظام الرسمي العربي القائم حالياً,والصراعات الاهلية والحروب القائمة بعد الربيع العربي,لكن ذلك لا ينفي حقيقة ان هناك جهود تبذل لتفعيل الخيار النووي العربي,على الرغم من خشية بعض الدول من ردود فعل اقليمية ودولية معارضة

Comments are disabled.